Friday, March 21, 2008

جلباب أبيض


كانت ترتديه عندما يحادثها ، قصير إلى حد بسيط بنصف كم وخفيف حيث يشف جسدها بعناية كانت
تعشق تفاصيل هذا الجلباب وتعتني به لحد أذهل أمها ، مزركش بنقاط صغيرة لبنية اللون ، كلما حادثها
وسألها عما ترتديه ، تجيبه "خمِّن"، فيرد" الجلبية البيضا" ، وفي خجل تقول :أها
وحدها تمكث لتغرقها الموسيقى تماماً ، ترتكن على وسادتها الطرية وتفرد شعرها المموج بألوانه المختلفة
الذي يجمع بين البنى، والأشقر حد البياض في خصلات متفرقة، والأصفر كالشمس،والأسود كان يريد أن
يرى شعرها فببساطة قصت له منه ووضعته في ظرف صغير وقبلت الظرف وأهدته له
كانت تترك ياقة الجلباب المستديرة مفتوحاً آخر زر بها لتظهر السلسة الرقيقة التى تبرق كالألماس سلسة
على شكل فراشة ،زجاج هي فى الأصل لكنهاتبرق في خفوت برئ ورائع،كلما ارتفعت الموسيقى ارتفعت
هي نحو السماء ، وكلما غفت حلمت في نومها ، حلمت بجلبابها الأبيض يتمزق نصفين عنها ، بعدها ابتعد
هو وتمزق جلبابها ، لنكن صريحين أكثر ، فقد حاولت هي بكل الطرق التخلص من هذا الجلباب المؤلم
حتى أخفته تماماً في صندوق قديم بعدما تأكدت أنه لن يعود ، حتى أنه سألها بعدها عنه فقالت أنها لاتعلم أين
هو الآن ، كانت تبكى في الأصل ولم تخبره تصنعت الهدوء بشتى الطرق حتى أغلق الهاتف معها وأغلقت
كانت تلجأ للموسيقى والكتب وصوره أحيان أكثر ، تغرق في رقصة همجية تارة وأخرى على إيقاع موت
في النهاية كانت تغلق على نفسها حجرتها وهى تكاد لاتستطيع التنفس من كثرة بكائها ، تتوه مع إيقاع
صمت الغرفة المريضة بالسكون
كانت تقرر كل فترة تغيير شئٍ أدرَكه من وصفها لحجرتها البسيطة حد الخواء ، فكانت تضيف أشياء وتمحو
أشياء أخرى ، أحياناً كانت تغير مكان المكتب أو الكرسي أو المسجل الكبير ، تضع كومدينو قديم وستارة
جديدة وتخرج تسريحتها بمرآتها المكسورة ، ثم تحرك اللوحات وتقطع احداهما وتمكث صامته لا دموع
ولا صوت منذ أن بدأت الأشياء في ممارسة التخلي عنها وإجبارها على العيش مع الذكريات ،قررت هى
الأخرى العيش في الحياة دون أن تهبها اهتماماً أو رغبة فيها ، فذهدت كل منهما الأخرى رغم أنها كانت
تعود كل فترة محاولة العيش من جديد لكنها كانت تفشل.
المساء يأتى والصباح يمر وهى في دائرة تدور حول نفسها ، تبحث عن الأصوات التى تأتيها من لامكان
وتفشل كل صباح كانت تعد القهوة البلاك وترتدى بسرعة لبسها التى لم تعد تعتنى ولا تهتم في اختياره
تضع فنجانها الخاوى على المكتب وسط ركام الكتب المبعثرة وتحمل حقيبتها الممتلئة بالأسفار والأحلام
القديمة والصور
..........
الحكاية تتكرر بملل أرهقها هى قبل الآخرين فصارت تصنع يوميات مخالفة لما جرت عليه العادة منذ كثي
ر مضى تستيقظ مبكرا على صوت الراديو الذي تنبعث منه الموسيقى الخفيفة ،وتعتلى نشوتها بفنجان قهوة
بلاك وتفتح نافذتها عن آخرها وتتابع من آخرطرف البلكونه صعودالشمس نحولذةالانتشارهى التى لم تكن
تتابع سوى موت الشمس بين سعف النخيل البعيد جدا غارقة في برتقال الحلم الموؤد ، صارت تتابع الشمس
وتتابع أحاديث أمها بشغف مصطنع ، تخرج معها ليشتريا الأشياء التى تريدها فيرهق أمها صمتها الطويل
وكى تجعلها تخرج منه تعرض عليها أن تأخذها لصالون تجميل فتوافق بدون تردد رغم انهالم توافق ولامرة
حتى في مناسبات مهمه أن يعبث أحد بوجهها وشعرها ، كانت تكره دوما ما يقال عن ثرثرة الكوافيرات
وتكره أن تستمع للحكايات الساذجة لكنها لتتجنب كل ذلك من تلك التى تحلف أنها لم تر أجمل من عينيها
ولا براءة ملامحها وأن هناك متعجرفات من الزبائن تظن كل منهم أنها الأجمل وووو...، بإغمضت عينيها
. ليلا كانت تجلس على حافة الذكريات
جلباب أبيض مدفون في صندوق قديم ، يحمل كل أحاديثهم ، يحمل كل أحلامها ، لن تنسى يوم داعبها وقال
يوم زفافنا أريدك أن ترتديه بعدما نصل للبيت ، ضحكتك وقالت أنه مجرد جلباب ماذا تراه كى تطلب منى أن
أرتديه في هذا اليوم تحديدا ، قال "أريد أن أرى هل هو عليكِ كما تخيلتك فيه أم لا
فقط عندما تتذكر كل هذا تضحك ، لا ترجو البكاء في مشهد كهذا ، تخرج أشياء كثيرة كل ليلة،نفس الأشياء
كل ليلة تخرجها ، صوره أوراقه القليلة التى معها ، تتتبع تعريجات الخطوط بأناملها وكأنها تعزف لحنا ما
، تتذكركيف كانت تعبيرات وجهه في كل مرة تراه فيها
صارت تحمل حقيبة عملها المكدسة بالأوراق وتسير في الشوارع الخاويه صباحاً ، تلقي التحيه على من
لاتعرفهم وتبتسم ، ترسم من السحب وجوها كثيرة ضاعت في الطرق ولم ولن تعود .كانت قديما تغفر كذب
الناس عليها أما الآن فقد صارت بمجرد أن تكتشف كذبهم تبتعد تماماً حتى لاتدع لنفسها فرصة كرههم،فقط
تبتعد وتحتفظ بهم على صورهم العابرة
ابتاعت جلباباً أبيض أقصر من سابقه مزركش بألوان بنية لا يشف من جسدها شيئ ،غيرت أيضاً لون
شعرها حتى أنها مقتته رغم انهم أخبروها أنه رائع الآن ، جعلت تنتظر وقت الوصول إلى أحلامها رغم
كل شئ الآن هى لاتعبث بشئ ، رغم عبث الوقت بها ومعها ، لكنها تنتظر شيئاً لا تعرفه حـتماً سيأتى
هى تثق في القدر



5 comments:

Dr-CaSaNoVa said...

جلباب ابيض عنوان ممتاز وقصه اجمل موفقه في اختيار الشخصيه وكانها ريحانه من زمن العربات ما قبل التطور بحبيب مجهول تاره يظهر بلا مبالاة وتاره يطول انتظاره كما لاحظت في اغلب قصصك صدقيني ان لحظه الانتظار وإقناع الذات بقرب الامل هو افضل بكثير من الأمل بذاته لأن الخيبه حين يأتي القدر بما نريد ونكتشف ان ما انتظرناه طويلا لا يستحق عناء ومررارة الاإنتظار

ارجو منك بعض التفائل في قصصك فالصبغه الحزينه في مدونتك اكاد اشتم رائحتها كلما سمعت لحنك الحزين الذي وبأعجوبه يتماشى مع كل القصص بغرابه ولكن باحساس عميق بالانسجام اشكرك بعنف سيدتي

..كازانوفا الهة الحب والجمال

إنسان || Human said...

القصة في بدايتها غامضة بعض الشئ ولكنه تنكشف بعد ذلك ..أكاد أرى أنك تركت بعد تفاصيلك الصغيرة بين ثنايا سطور القصة ...الجلباب يمكن أن يكون رمزا للذكريات المؤلمة ..وأحباء تركونا ..الجلباب الجديد دل على أها تبدأ بداية جديدة ..النهاية متفألة إلى حد ما

إبـراهيم ... said...

أحببت هذه القصة منذ أول مرة قرأتها، وجميــلٌ ما فيها يا غادة ....
حيث الجلباب الأبيض معادل موضوعي لعلاقة الجحب التي لم تكتمل، ولكل الشجن والذكريات.
.
.
.
تحيااااتي يا شاعرة

R..R said...

قاللى ادهم ان اللونين الابيض والاسود هم اقرب الالوان لبعض ربما لمصداقيتهما مع كينونتهم
وعند قراءاتى للأبيض لديك وجدته مصدق لكونه مؤقت ومتخفى بل فهو يمارس وظيفته كلون قد قبل ان تتداخل الالوان الاخرى به او بمعنى ادق تعبث به
فانتظار الحلم هنا مشوب بالوهن الذي يخفى جماله وإن كان انتظار فقط
وعلى آية حال فلكى كل التحية على ذلك الوصف الدافىء والتفاصيل الموحية
دمتى بكل خير

غادة الكاميليا said...

د/ كزانوفا
هلا فيكى عندى
جميل قوى زمن العربات ماقبل التطور ده فكرتينى بأفلام الابيض واسود الأجنبي اللى بعشقها
.........
مرارة الانتظار تعبير أقرب لما أردت قوله
تحياتى ايتها الالهة على وجودك

human
التفاصيل الصغيرة هى كل ما يتبقى منّا
ربما هي بدايةأو رسم لنهاية أقرب للحقيقة دون الحلم
تحياتى يا طيب

براهيم ..معاه
وهي والله يافندم
:)
كيفك بقى

r.r
رانيا رزق
لابد من الاحتفاء بوجودك بجد لأنى عرفت انه انتى انتى بعد مارجعت وأنا عاشقه للصدفه
سعيدة جدا بمعرفتك يارانيا
...................
على كل حال تحية لكِ أنتعلى تحليلك الرائع لأبيضي
دومى بحب