Wednesday, August 29, 2018

ليلى


كنت أظن الأمر عادياً للغاية
لم أعرف أنه بالغ الصعوبة هكذا
إلا بعدما وضعوا حائط زجاجي بيننا
لا تريني منه، وأرى أنا ما يحدث بك
قلبي مفتت وهش
يتساقط الحليب منه نقطة نقطة تبحث عنك
نقطة نقطة كماء من نار
يحرقني كلما لم يجدك
تصيبني الحمى والوجع، ويقولون الدواء يطيب كل شيء
أنتِ فقط تطيبين كل شيء
أنظر من خلف الزجاج لأجدك تجلسين حزينة دون بكاء
الدموع تقف على الحاجز السفلي لعينيك لتقول كل شيء
ماما هنا
تسمعين صوتي فتذهبين لباب الخروج
وتعودين لكرة صغيرة تلقيها لك الجدة لتشغلك
ماما هنا لكن يقولون يجب أن نصمد كي تكبرين أسرع
أخبرهم لا يهم
سأقاوم وأعلقها على صدري وأنا أحضر الطعام
سأنجز عملي المتراكم وهي فوق رأسي تضحك
اه الضحك، يومان لم أسمع الضحكة المذهلة
أغرس السكين بقلبي وأقول ربما هم على حق
ربما يجب أن نقسو على أنفسنا كي نصبح أفضل
ستنمو أسرع وتكبر.. يقولون لي!
أحاول أن أصدقهم وأنا أنتظرك
بعيدة عن حضني لأول مرة منذ خرجتِ من بطني للعالم
تقول أمي يوماً آخر حتى تنسى
أسألها، تنساني؟
تقول أمى فقط تنسى التعلق بك
أخاف أكثر
جبيني صهد وصدري يؤلمني كجمر أحمر على جلدي
وأنتظر لحظة اللقاء.. تماماً كيوم خرجت مني للعالم



Wednesday, June 27, 2018

"أنا عندي حنين مابعرف لمين"


أكملت الثلاثين عاماً منذ عدة أشهر، كنت أضحك وأنا أقول لنفسي سأخبر من يسألني كم عمرك
 اني لم أتخط الثمانية وعشرون بعد، أنا صغيرة، سرقتني سنوات الثورة والأحلام والحب والأطفال
كنت أظن أن بوصولي لعتبات الثلاثين سأكون بالتأكيد قد زرت بلدان أكثر ما حلمت، وأكثر مما
تخيلت، لكن في الحقيقة أني لازلت هنا أستيقظ لأجهزالصغيرة للمدرسة وأصنع لها السندوتشات
.وأنا أحضر فنجان قهوتي، أنزلها للباص وأصعد لأشرب قهوتي وأبدأ في العمل

"يجتاحني صوت فيروز وهي تغني "بعدو ها الحنين من خلف الحنين..بالدمع يغرقني بأسامي
 منسيين أجد نفسي أقلب في الهواء لأتذكر ما الذي كان علي فعله تحديداً كي أصبح أسعد، هل أنا
.غير سعيدة؟ بالعكس أنا سعيدة، أحب حبيبي وابنتيّ وبيتي وأهلي أحبهم

لكن كل ما هنالك أن الحزن اجتاحني وربما اجتاح جيل بأكمله منذ ثماني سنوات، سنوات مررن
فجأة دون أن ندرك أننا هناك عند نفس النقطة من الكر والفر في الشوارع والأزقة نهرب من قنابل
 .الغاز،وربما نهرب من أحلامنا التي حاصرتنا وحاصرناها، أنا حزينة للغاية دون وطن دون أغاني

أهرب من كل شيء لآتي هنا، أعود لسنوات الشغف، منذ اثنتي عشر عاماً كنت هنا، طفلة تركض
 بالحب ملئية بالبهحة والرغبة والخوف والتوجس، كل ما مر بي هنا كان يحفظ لي قلبي الصغير
.دون رتوش

اليوم أدرك أني لم أعد أحلم سوى بالكوابيس المزعجة، قلبي مربوط بالخوف والهلع، أستيقظ وأنا
 أسقط أثناء نومي من هوة عالية، أقوم لأصنع فنجان القهوة وأشربها في صمت جوار سيجارة حزينة
 .صامتة

،الكتب تتكدس على الأرفف، الحزن يعشش في زوايا قلبي كعنكبوت مسكين، أخافه ويخافني، القهوة
 مُرة، الشوارع مخيفة، أراقب نفسي وأنا في الشارع، أراقب ظلي وأخاف منه، طفلتي وهن يضحكن
 .على خوفي، أقول ربما كان وقتاً مؤقتاً مقتطعاً وتعود الفرحة التي أنتظرتها كثيراً

في المرآة أرى غادة أخرى، طفلة عمرها ثلاثون عاماً، تبحث في صوت فيروز عن ماضيها اللطيف
.طفلة تكره الشوارع وتلزم المنزل، تكره السماء غير العادلة، تكره الوطن الذي أتعبها وأرهقها

أضبط نفسي أحياناً أفكر في الموت، بل كثيراً، أرتب في عقلي المسكين كيف سيعيش حبيبي بعدي،
كيف ستكون علاقة طفلتي ببعضهما البعض، كيف سيحاول أحمد أن يستمر من دوني؟
 هل ينجح؟ هل أفعلها؟

أنا حزينة وقلبي حزين كفرخ خرج من البيضة لم يجد أمه فارتجف حتى مات، خائفة كامرأة تمشي
 .وحدها في القاهرة المخيفة

أنا هنا أرى ظلي القديم، روحي الصغيرة التي احترفت صنع الضفائر للعرائس القماش،آتي لأشرب
.قهوتي وأسمع الموسيقى، آخذ وقتاً مقتطعاً من الحزن ربما يخفف عني هواجس الموت والانتحار