Thursday, November 21, 2019

مزيج الفشل


تقول لنفسها وهي تنظر للوحة ما، أنا في حاجة للجلوس على هذا الكرسي تحديدا داخل اللوحة،
اللون الأحمر سيغمرني ويلغي ملامحي المريضة، ليس علي سوى أن أضع كفي على شعري 
القصير وأسند رأسي على الطاولة أمامي، و الموسيقى في الخلفية ستكون كفيلة بتشتيت العيون
عني، وتساعدني على الانهيار أكثر.

أن تكون في حاجة للانهيار، أن تشعر بثقوب في قلبك وترى الحوائط تقترب وتضغط على رئتيك
أكثر، ولا سبيل لكي تتنفس سوى أن تختفي الثقوب، تضغط بأصابعك العشر على قلبك، فتنثقب 
روحك. 

أفكر وأنا على الكرسي المتهالك باللوحة أن لا رغبة لدي سوى النوم فقط. أسأل: ما الذي يمكن أن
يحدث أكثر فأنا لا أشعر بالألم أو لأكن صريحة، أنا أشعر بألم كبير، لكن، لا أهتم به.

محاولة فاشلة للتشبث بكل شيء، رغم أنك  لست فاعلا في الحكاية، مجرد مشاهد من بعيد، مشاهد
عابر، فشل في وضع ملامحة في مكان ما، ولم ينتظره أحد، كلها محاولات لم تنجح. لأنك هامشي،
ألامك هامشية، حبك هامشي، حتى في فشلك هامشي.

آتي وأذهب، أحلم أن أبادل حياتي بالموسيقى، وأحاول ألا يصطادني الألم. أفكر مثلا أنني لا أغضب،
ليس لدي فرصة للغضب، لأنني إن غضبت ربما أحزن، وإن حزنت ربما لن أستطيع أن أكمل اليوم،
اليوم المعتاد الذي يجب أن يكتمل، أن أقف في المطبخ، أغسل الأطباق المركونة منذ الأمس، البكاء
على مقطع فيديو حزين، أو الضحك على نكتة حمقاء، وغيرها مما يحدث يوميا في الحياة.

عندما يفشل كل شيء ويتمكن مني الحزن، أضع الموسيقى دون أن أحدد شيئا أسمعه، كل ذلك غير
مهم، المهم الآن أني أضبط نفسي دائما، عندما يضغط عازف الكمان بالقوس على الأوتار في الخلفية،
وأنا أقبض على الأوردة كي لا يتصفى دمي، لا أعرف متى تركت تلك الأوردة جلدي وانفتحت لتغرق
أرض المطبخ، ما يزعجني أكثر من الدماء أني سأحتاج أن أنظفها سريعا، لا أرغب أن يدوس عليها 
الأولاد بنعالهم وتترك بقعا على السجاد، ليس لدي الطاقة على تنظيف الدم اليوم، لكنني أضطر، أمسك
المنشفة الصفراء وأبللها بالماء وأجلس على الأرض بجوار بقعة الدم وأنظف الأمر بسرعة كي لا تترك
أثرا.

تتقطع أنفاسي وأنا أهرب مسرعة من شيء ما يتتبعني خطوة بخطوة، ألف الشوارع فيتبعني أصعد على
الأرصفة فيلتف حول قدمي يريدني أن أنقلب على وجهي، ألهث ككلب وحيد قطع أطفال الشوارع ذيله
ليلعبوا به، تنزل دموعي وأنا أجري دون أمل، أفكر سريعا سريعا ماذا يمكن أن يحدث، أنا في المواجهة
تماما، أضعف مما يمكن أن يتخيله أحد، أكثر حزنا من امرأة رأت الموت يدق على زجاج سيارتها،وقبل
أن ينجح هذا الشيء في قتلي أستيقظ وأنا أبكي، أنام فتخنقني الكوابيس،أستيقظ فلا تفارقني الصور المرعبة.

أمس بكيت لثلاث ساعات متواصلة وأنا أضع رأسي على الوسادة، لم أدرك متى ذهبت في النوم فقط 
استيقظ على صوت المنبه لأمارس ما أتقنه يوميا من الهرولة خلف سراب ما، هاربة من حلم لم أنجح
في إداركه.

No comments: